شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2024 قفزة غير مسبوقة في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، مما يؤكد مكانتها كمركز اقتصادي واستثماري رائد في المنطقة والعالم. أعلنت مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) عن ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الإمارات بنسبة 48% خلال عام واحد، ليبلغ مجموع الاستثمارات 45 مليار دولار. يعكس هذا النمو ثقة المستثمرين العالميين في بيئة الأعمال في الدولة، إضافة إلى الجاذبية المتزايدة لقطاعاتها العقارية والتجارية.
يشكل القطاع العقاري في الإمارات وخاصة في دبي محركًا رئيسيًا لتدفقات الاستثمار الأجنبي. فقد استحوذ قطاع العقارات في دبي وحده على 14% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية، مما يعادل حوالي 6.3 مليار دولار. ويرجع ذلك إلى الطلب المتزايد من المستثمرين الأجانب، وبخاصة من الهند، المملكة المتحدة، مصر وسوريا، الذين يُعتبرون من أكبر المشترين في سوق دبي العقاري.
ويعكس تنوع الجنسيات واتساع قاعدة المستثمرين من الخارج ثقة عالمية متزايدة في استدامة النمو العقاري وقوة الاقتصاد الإماراتي. ويعتبر العديد من المستثمرين دبي وجهة آمنة ومستقرة توفر فرصًا للربح وتنوعًا في الخيارات السكنية والتجارية.
بحسب بيانات نشرتها منصة Arabian Business، فقد شهد الربع الأول من عام 2025 تسجيل حوالي 42 ألف صفقة بيع للعقارات السكنية في دبي، بقيمة إجمالية بلغت 114.4 مليار درهم إماراتي (أي ما يعادل 31.1 مليار دولار أمريكي). بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، ارتفعت الصفقات بنسبة 23.1% وزادت قيمة التداولات بنسبة 29.6%، ما يعكس تصاعداً ملحوظاً في الطلب والنشاط العقاري.
أما منصة Property Finder، فقد رصدت أرقامًا أكبر حيث بلغ عدد الصفقات في الربع الأول من عام 2025 حوالي 45,474 صفقة بقيمة إجمالية وصلت إلى 142.7 مليار درهم (38.8 مليار دولار أمريكي). ويبرز ذلك مدى الزخم الذي يشهده سوق العقارات في دبي.
هناك عدة عوامل رئيسية تقف خلف الطفرة الكبيرة في السوق العقاري الإماراتي، خاصة في دبي:
لم يقتصر النمو على السوق السكني فحسب، بل شهدت العقارات التجارية أيضًا زيادة ملحوظة. فقد ارتفع حجم مبيعات العقارات التجارية في الربع الأول من 2025 بنسبة 23.7% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. الأهم من ذلك، أن قيمة الصفقات التجارية زادت بنسبة هائلة بلغت 83.1%، وهو ما يعكس دخول شركات ومؤسسات دولية كبرى إلى السوق الإماراتي.
ويرى محللون أن هذا الاتجاه مرتبط برغبة الشركات العالمية في إنشاء مقار إقليمية في دبي للاستفادة من موقعها الجغرافي، وبنيتها التحتية القوية، وتسهيلات الأعمال التي توفرها الحكومة.
في هذا السياق، علّق عمران فاروق، المدير التنفيذي لشركة Samana Developers في دبي، قائلاً:
“إن حقيقة أن 86% من مبيعات العقارات في دبي تأتي من مستثمرين أجانب، دليل واضح على الثقة العالمية في اقتصاد الإمارة. وهذا يؤثر بشكل مباشر على حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المستقبلية إلى الدولة.”
يشير هذا التصريح إلى عمق العلاقة بين النشاط العقاري وتدفقات الاستثمارات الأجنبية، حيث يرى الخبراء أن النمو المتواصل في السوق العقاري سيعزز من تدفقات الاستثمارات الخارجية، ويُرسخ مكانة الإمارات كمركز عالمي للأعمال والاستثمار.
تشير البيانات إلى أن المستثمرين من الهند يأتون في مقدمة الجنسيات التي تضخ استثمارات كبيرة في القطاع العقاري الإماراتي، يليهم البريطانيون والمصريون والسوريون. ويرجع ذلك إلى عوامل مثل الاستقرار السياسي، القوانين المرنة، الفرص الاستثمارية الجذابة، وسهولة الحصول على الإقامة من خلال التملك العقاري.
ومن الجدير بالذكر أن الإمارات باتت نقطة جذب ليس فقط للأثرياء، بل أيضًا لرواد الأعمال والمتخصصين الذين يبحثون عن فرص جديدة في بيئة ديناميكية ومتطورة.
من المتوقع أن يستمر هذا الزخم في سوق الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنوات القادمة، في ظل خطط الإمارات لزيادة الانفتاح الاقتصادي، وتوسيع المناطق الحرة، ودعم الابتكار وريادة الأعمال. كما أن استضافة فعاليات ومعارض عالمية ضخمة مثل إكسبو 2020 ولاحقاً فعاليات أخرى عززت مكانة الدولة كوجهة استثمارية عالمية.
ولم تقتصر الاستثمارات على العقار والتجارة فقط، بل شملت أيضًا قطاعات مثل التكنولوجيا، السياحة، الطاقة المتجددة، والرعاية الصحية، ما يرسّخ التنوع الاقتصادي للدولة ويعزز قدرتها على استيعاب الاستثمارات الضخمة.
ما حققته دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال جذب الاستثمار الأجنبي المباشر في 2024 يُعد إنجازًا اقتصاديًا كبيرًا يعكس الثقة العالمية المتزايدة في بيئة الأعمال الإماراتية. وتبرز دبي كمحور رئيسي لهذا النمو بفضل سياساتها المرنة، بنيتها التحتية المتقدمة، وانفتاحها على الاستثمارات الدولية. من المنتظر أن يواصل السوق العقاري والتجاري نموه في الأعوام المقبلة، مما يعزز من مكانة الإمارات كوجهة رائدة للاستثمار العالمي.